التعلم المتزامن والتعلم غير المتزامن


تغيرت مع فجر الرقمنة طرق تقديم الدروس تمامًا، حيث ولّت تلك الأيام التي كان يتعين فيها على المعلم أن يجلس وجهًا لوجه في الفصل ليتفاعل مع الطالب. يمثل الشروع بالفصول الافتراضية الأولى تغيرًا رائدًا في تصور التعليم مما جعل التعلم مسألةً عالميةً.

 على الرغم من أن استبدال التعلم التقليدي مستحيلًا، إلا أن التعلم الإلكتروني يعد بالفعل مبادرةً بارزةً في عالم الأكاديميين. يمكن تصنيف التعليم عبر الإنترنت إلى فئتين: التعلم المتزامن والتعلم غير المتزامن.
إذًا، ما هو التعلم غير المتزامن والتعلم المتزامن؟ يعني التعلم المتزامن مشاركة عدة أشخاص في نفس الوقت، حيث يوجد تفاعل في الوقت الفعلي إما في الفصل الدراسي أو على منصات الإنترنت مثل المكالمات على تطبيق (Zoom) أو المؤتمرات المنعقدة عبر الانترنت. ومن ناحية أخرى، يعني التعلم غير المتزامن التعلم الذي لا يشرك الجميع في آنٍ واحد، ولا هناك تفاعل في الوقت الفعلي بين الناس.

تتم مشاركة الموارد والمواد الدراسية من خلال وسائل عبر الإنترنت مثل المحاضرات المسجلة ورسائل البريد الإلكتروني وما إلى ذلك، ولا توجد قيود على المكان أو الوقت للطلاب أو المعلمين. إليك مقارنة متعمقة بين التعلم الإلكتروني المتزامن والتعلم الإلكتروني غير المتزامن:

التعلم غير المتزامن

تعود جذور التعلم غير المتزامن إلى التعليم بالمراسلة الذي جعل التعليم متاحًا للطلاب الذين يعيشون في أماكن بعيدة. استفاد التعليم بالمراسلة من الرسائل ولكن عندما استثمرت المدارس والكليات في التقنية في أوائل الثمانينيات، اتخذ التعلم عن بعد مسار الإنترنت.

مزايا التعلم غير المتزامن

1. الحرية والمرونة:
إن الجانب الجذاب في التعلم غير المتزامن المرونة التي يوفرها للطلاب وكذلك للمعلمين. كل ما هو مطلوب هو جهاز كمبيوتر واتصال بالإنترنت للوصول إلى مواد الدراسة من أي مكان في جميع أنحاء العالم. ولا قيود على الزمان أو المكان ويمكن للطلاب تحديد موعد دراستهم بما يناسبهم.
ومن شأن هذا أن يوسع نطاق التعليم ليشمل حتى أولئك الذين لديهم وظائف بدوام كامل أو أكبر من أن يلتحقوا بمدرسة أو كلية. ويؤدي هذا إلى إبقاء الضغط تحت السيطرة حيث يمكن للمرء أن يدرس بما يناسب قدراته، ولا يوجد ضغط للأداء بمعدل محدد.

2. يقرر الطلاب سرعة وتيرة التعلم:
يتسم هذا النوع من التعلم بوتيرةٍ ذاتية حيث يتعلم الطلاب بالسرعة التي تناسبهم. ويُتاح للطلاب متسع من الوقت لمراجعة الملاحظات والدراسة بدقة، على عكس الفصول الدراسية التقليدية التي يُتوقع فيها أن تكون الاستجابة فورية.
يزيد هذا من كفاءة التعلم ويحمي أيضًا ثقة الطلاب الذين يصعب عليهم مواكبة الطلاب الآخرين في الفصل؛ إذ يمكّن الطلاب من خلال جعلهم المتحكمين في تجربتهم التعلمية، كما ينقذ المدرسين من العبء والضغط الذي يواجهونه عادةً في التدريس داخل الحرم الجامعي.

3. الراحة والأمان:
يُعد القلق الاجتماعي مشكلة شائعة الانتشار بين الشباب في وقتنا الحاضر، وغالبًا ما لا يفضل الطلاب التفاعل وجهًا لوجه حتى لو كان عبر الإنترنت. التعلم غير المتزامن مناسب لأولئك الذين يفضلون التفاعل الانتقائي. يتمتع الطالب بمساحته المريحة للدراسة، ونتيجة لذلك تزول العديد من العقبات الاجتماعية التي تمنع التعلم.
في هذا النوع من التعليم يوضع الطالب الهادئ في مستوى مساوٍ مع الطلاب الاجتماعيين والذين عادة ما يكون أداءهم أفضل من غيرهم، الأمر الذي يؤدي إلى تدني ثقة الانطوائيين بأنفسهم. حيث ينصب التركيز هنا على الأداء الأكاديمي ومدى فهم الطالب للمعلومات.

4. توفر المعلومات:
المواد المشتركة في التعلم غير المتزامن متاحة دائمًا لإعادة الاستخدام، ويمكن للطلاب البحث عن أي معلومةٍ في كل زمان ومن أي مكان. كما أن الوصول إليها أوسع مقارنة بالأنماط الأخرى، فبمجرد تسجيل المحاضرة، سواء كان التسجيل صوتيًا أو مرئيًا، يمكن إرسالها إلى أي مكان في العالم، حتى إلى الأماكن التي لا يوجد بها إنترنت.
يمكن استخدام أقراص الـ DVD وأجهزة التلفزيون وجميع الأجهزة الإلكترونية الأخرى التي تخزن المعلومات في وضع عدم الاتصال للتعلم غير المتزامن. وبذلك يمكن للطلاب الذين يعيشون في مناطق نائية من العالم الوصول إلى الملاحظات أو مقاطع الفيديو أو صوتيات الأساتذة ونيل شهادة.

5. التعلم الشامل:
إن التعليم غير المتزامن بمتناول يد مجموعة كبيرة من المتعلمين، بدءًا من الفئات العمرية المختلفة إلى مختلف الأجناس والأعراق والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية. وهكذا يمكن أن يُقام التدريس والتعلم على نطاق واسع للغاية، باستثمار قليل لعدم الحاجة الكبيرة للمعلمين لمراقبة الطلاب باستمرار.
لقد جعل هذا النمط من التعليم التعلم الجماعي ممكنًا بكل يسر وراحة. كما أن تنظيم هذه الدروس أسهل نسبيًا وتستغرق وقتًا أقل بكثير من الدروس التقليدية.

عيوب التعلم غير المتزامن

1. العزلة:
في حين أن البعض يفضل انعدام التفاعل إلا أن ذلك قد يصبح مدعاة للقلق للبعض الآخر. نقص هذه الميزة الإنسانية قد يُشعر الطلاب بالعزلة ويحد أيضًا من نطاق النمو الناتج من التفاعل في الوقت الفعلي وتقديم الملاحظات والمناقشات. يناسب هذا النوع من أنماط التعلم الأشخاص الذين يرغبون في الحصول على دبلوم أو درجة علمية دون الكثير من المتاعب بسبب الوقت أو أي قيود أخرى.
أما أولئك الذين يتمنون الاستفادة الجمة من تجربتهم التعلمية، فإن التعلم غير المتزامن ليس الخيار الصحيح لهم، ففيه يُستبعد كليًا التعلم القائم على الملاحظة والأشكال الأخرى من التدريب الاجتماعي الضرورية للتنمية الشاملة.

2. اللامبالاة والتسويف:
قد يؤدي هذا النوع من التعلم إلى نقص الحافز لدى الطلاب الذين يؤدون أداءً أفضل في العمل بمجموعات أو مع أشخاص آخرين. إضافة إلى أن هذا النمط من التعلم هو الأكثر عرضة للتسويف وسلوكيات الإهمال. علاوة على ذلك، يفشل الطلاب أحيانًا في إكمال صفوفهم في الوقت المحدد.
يقوم المعلمون والطلاب أيضًا بالتحقق من بعضهم البعض أثناء التفاعل في الوقت الفعلي.؛ إذ يقومون بإثراء تجربة التعلم من خلال جهودهم التعاونية. وعلى الرغم من أنه سريع ومريح إلا أنه قد يؤدي إلى الملل. يمكن أن يؤدي أيضًا إلى محاولات سطحية من جانب المدرسين وكذلك الطلاب.

3. يتطلب مهارات إدارة الوقت:
قد يبدو التعلم غير المتزامن سهلاً إلا أن معظم الطلاب يفقدون الاهتمام في منتصف الطريق ويفشلون في إكمال صفوفهم في الوقت المناسب. فليس من السهل أن تظل شغوفًا بالتعلم عن بعد، خاصةً دون التفاعل المباشر مع المعلمين وزملائك الطلاب. وسيحقق الطلاب الذين لديهم مهارات إدارة وقت جيدة، والتركيز، والالتزام، وهدفًا واضحًا نصب عينيهم -تحقيق أقصى استفادة من الصف.

التعلم المتزامن

في بيئة التعلم وجهًا لوجه، تُعد المحاضرة في المنصة الإلكترونية، والحلقات الدراسية الإلكترونية (webinars)، ومكالمات زووم (Zoom)، ومؤتمرات الفيديو أمثلةً على التعلم المتزامن.

مزايا التعلم المتزامن

1. التفاعل في الوقت الفعلي:
لا يمكن تجاهل فوائد التفاعل وجهاً لوجه سواء كان ذلك في فصل دراسي حقيقي أو افتراضي. فالمناقشات جذابة وغنية بالمعلومات للفصل بأكمله، حتى لمن لا يحبون المشاركة. يستطيع الطالب أن يحضى بتصوراته بالاستماع إلى وجهات نظر مختلفة.
إن أهم امتداد للاستخدام التعليمي للتقنية هو ظهور فصول دراسية عالمية تتجاوز المسافة وتتيح التعليم الجيد حتى للطلاب الذين يعيشون في المناطق النائية. ثم إن التواجد في الوقت الفعلي حتى لو كان عبر الإنترنت يزيد الوعي وحس المشاركة.

2. يسير ماديًا:
إن هذا النمط من التعليم هو الأيسر ماديًا لأن المعلم لا يحتاج إلى أن يكون حاضرًا بنفسه في جميع الأوقات. ويمكن للمدرسين والطلاب الحصول على تجربة فصل دراسي حقيقي دون التواجد في الواقع بجانب بعضهم البعض مما يوفر الكثير من المال للطلاب ويسمح لهم بالتسجيل في صفوف متعددة بنصف السعر داخل الحرم الجامعي.
ويضمن التعلم المتزامن الافتراضي الحفاظ على جميع جوانب التعلم التقليدي، مثل: التعليقات الفورية، والمناقشات الجماعية في حين توفير الأموال التي تُنفق على التنقل والعيش بعيدًا عن المنزل.

3. التعلم الديناميكي:
يعتبر التفاعل في الوقت الفعلي تجربة ديناميكية لكل من المعلمين والمتعلمين؛ إذ يضمن النشاط المستمر تطوير مهارات جديدة وتعزيز المهارات المكتسبة سابقًا. وبالتالي، يضمن النشاط التقدم ويحقق أقصى استفادة من تجربة التعلم. وسيندمج الطلاب وسيتعلمون مهارات التعاون حتى دون الحاجة إلى التواجد في مكان واحد.
تقدم الفصول الافتراضية نفس البيئة التنافسية التي تشجع الطلاب على الأداء الأفضل. ويعزز استخدام التقنية كذلك المعرفة والفهم العلميين، الأمر الذي سيفيد فائدة جمة في المساعي المستقبلية.

4. العمق التعليمي:
التواصل بين الطلاب والمدرسين دائم مما يضمن التقدم وإنجاز العمل المحدد في الوقت المناسب. وتساعد المناقشات المنتظمة الطلاب في تحديد مدى فهم موضوع ما ومعرفة مدى مصداقية المعلم أيضًا.
في المقابل، يتعرف المعلم على الطلاب الذين يحققون أداءً جيدًا والذين يحتاجون إلى مزيد من التوجيه أو المساعدة. وهذا يحافظ على التوازن في عملية التعلم، ويضمن أيضًا عدم ترك أي طالب متخلفًا عن زملائه. علاوة على ذلك، يمكن للطلاب طرح الأسئلة وتوضيح ما يختلط عليهم من أمور على الدوام عند توفر المعلمين.

5. نتائج متقدمة:
إن أفضل طريقة لمعرفة نجاح الفصل الدراسي هي من خلال النتائج النهائية؛ إذ أثبت التعلم المتزامن، سواء كان ذلك من خلال الأنماط التقليدية أو عبر الإنترنت، أنه يقدم نتائج استثنائية. يرجع ذلك إلى جهد الطلاب والمعلمين المشترك. يستنتج المدرسون أداء كل طالب من خلال البيانات المتاحة لهم مثل: الحضور والمشاركة في المناقشات وما إلى ذلك في المنصات الافتراضية.
يتحقق المعلم كذلك من مدى تكرار قيام الطالب بطرح الاستفسارات. كل هذا يساعد المعلم في صياغة خطة مخصصة مراعيًا المتطلبات الفردية، مما يحمي مستوى التعليم ويضمن رفع معدل نجاح الطلاب.

عيوب التعلم المتزامن

1. جدول صارم:
قد يكون التعلم المتزامن ممكنًا من المنزل لكنه يحد من حرية الوقت؛ الجدول الزمني لإجراء الفصول والمناقشات والاجتماعات صارم. وقد يواجه الموظفون بعض التحديات في إدارة الوقت. فإن كانت المرونة مطلبًا رئيسيًا للمتعلم فقد لا يكون هذا النمط الأنسب لمن يعملون بدوام كامل وفي نظام المناوبات.
بما أن الطلاب في الفصول الدراسية عبر الإنترنت ينتمون أحيانًا إلى بلدان مختلفة، فستختلف المناطق الزمنية أيضًا. قد يصعب هذا الأمر على بعض الطلاب، فقد يبدأ الصف الساعة الرابعة مساءً عند طالب، ويبدأ في الساعة الخامسة صباحًا عند طالب آخر.

2. المشاكل التقنية:
يعد اتصال الإنترنت الجيد ذو أهمية كبيرة لكل من الطلاب والمدرسين. خطأ تقني واحد قد يؤدي إلى إزعاج مؤقت أو وقوع خطأ جسيم. نظرًا لأن الواجبات يجب تسليمها عبر الإنترنت فيتعين على الطالب الالتزام بالمواعيد النهائية أو قد يُخصم من علاماته بصرامة. ويضطر الموظفون أحيانًا إلى السفر من مكان إلى آخر معتمدين على بطاريات أجهزتهم الإلكترونية. في أحيان أخرى تكون الشبكة سيئة والإنترنت بطيء وبذلك يفوت الطلاب بعض المعلومات المهمة. وفي أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يحدث ذلك أثناء الاختبار.

3. تحكم المعلم:
أحد عوائق التعلم المتزامن الرئيسية أن المعلم يحدد وتيرة التعلم. يُتوقع من جميع الطلاب التعلم والأداء بنفس السرعة، وقد يكون هذا الأمر غير عادل بالنسبة للبعض مثل الطلاب الذين ليس لديهم الوقت الكافي للاستثمار في دراساتهم.
قد يكون ذلك بسبب الوظائف، أو بسبب انخراطهم في صفوف متعددة وهذا صعب للغاية. ويفضل بعض الطلاب الصفوف ذاتية التنظيم ويتفوقون تفوقًا أفضل في بيئات أكثر استرخاءً من تلك التي يوفرها التعلم المتزامن.

خاتمة:
إذًا سردنا مزايا وعيوب التعلم المتزامن وغير المتزامن. يُفضل الجمع بينهما بالاستفادة من النقاط الإيجابية لكلا النمطين وموازنتها مع النقاط السلبيةبالرغم من اختلاف النمطين تمامًا عن بعضهما البعض من حيث التقديم والتنفيذ.
عندما يتعلق الأمر بالتعلم المتزامن عبر الإنترنت فإنه يبني بيئة وجهًا لوجه لجلسة تفاعلية أفضل. ولكن يمنح التعلم غير المتزامن الكثير من الوقت للتفكير والدراسات ذاتية التوجيه ويمكن تشكيله وفقًا لراحة الطالب ومتطلباته.

تعليقات